user preferences

New Events

North Africa

no event posted in the last week

أي نوع من الديمقراطية يحتاجها العالم العر

category north africa | community struggles | opinion/analysis author Tuesday March 27, 2012 17:52author by José Antonio Gutiérrez D. Report this post to the editors

قلت في مقالة سابقة أن الأحداث التي تهز العالم العربي اليوم تشبه تلك التي هزت العالم في عام 1989 ( 1 ) . ليس فقط أنه يمكن إيجاد تشابه بينها في عمق و مدى الاستياء على رقعة جغرافية ضخمة , بل أيضا لأن هذه العاصفة من الغضب الشعبي تطرح تساؤلا فيما يتعلق بتركيبة ( بنية ) جغرافية محددة كان يعتقد حتى اليوم أنها صلبة كالفولاذ . [English] [Castellano] [Català] [Ελληνικά] [Italiano]
egyptianrevolution1.jpg


أي نوع من الديمقراطية يحتاجها العالم العربي ؟

بقلم خوسيه أنطونيو غوتيريز


أي نوع من الديمقراطية يحتاجها العالم العربي ؟

بقلم خوسيه أنطونيو غوتيريز

قلت في مقالة سابقة أن الأحداث التي تهز العالم العربي اليوم تشبه تلك التي هزت العالم في عام 1989 ( 1 ) . ليس فقط أنه يمكن إيجاد تشابه بينها في عمق و مدى الاستياء على رقعة جغرافية ضخمة , بل أيضا لأن هذه العاصفة من الغضب الشعبي تطرح تساؤلا فيما يتعلق بتركيبة ( بنية ) جغرافية محددة كان يعتقد حتى اليوم أنها صلبة كالفولاذ . في حالتنا هذه , كانت هذه الديكتاتوريات قديمة العهد قد شكلت و دعمت و تعززت وفق المصالح الجيو – إستراتيجية للولايات المتحدة ( و شريكها الأصغر , الاتحاد الأوروبي ) في منطقة ذات أهمية استثنائية فيما يتعلق بالنفط خاصة . في عام 1989 كانت النتائج السياسية للمظاهرات عميقة و طويلة الأمد – لم يعن سقوط الأنظمة "الاشتراكية الفعلية" فقط سقوط بعض الديكتاتوريات البيروقراطية الكريهة , بل و بسبب الضعف النسبي لليسار التحرري و الثوري الحقيقي , مثل سقوطا لمجموعة من القيم و الآفاق السياسية ؟؟ التي ربطت على نحو غير صحيح مع الكتلة السوفيتية , و الصعود الجامح لليبرالية الجديدة كنظام لا ريب فيه في المجال الاقتصادي , السياسي , القيمي و الإيديولوجي .

كانت هذه نهاية التاريخ بحسب بعض المحامين الشرسين "للنظام العالمي الجديد" . لكن التاريخ بقي يكتب , كما جرى بشكل دراماتيكي في سياتل 1999 من قبل الحركة المناهضة للعولمة . و عندما كانت هناك حاجة للمزيد من الاحتجاجات كانت هناك موجة النضالات المباشرة بين عامي 2000 و 2005 في أمريكا الجنوبية التي تحدت أسس هذا النموذج , حيث لعبت الشعوب , الطبقات المضطهدة و المستغلة , الأدوار الرئيسية في هذا التاريخ .
الأحداث في العالم العربي التي حبست أنفاسنا في الشهرين الماضيين هزت النظام العالمي الجديد في واحدة من أقوى حلقاته – تلك الديكتاتوريات التي حافظ عليها "العالم الحر" لعقود لتؤمن التدفق المتواصل للنفط و ليحتفظ بموطأ قدم عسكري في منطقة ذات أهمية اقتصادية و جيو – إستراتيجية هائلة لصالح الإمبراطورية . هذه الانتفاضات تجري في قلب الرأسمالية العالمية , حيث يبقي تدفق النفط استمرار التجارة و الصناعة الدوليتين . إنها تجري في دول جميعها من الحلفاء المقربين لواشنطن , من هنا يأتي المحتوى المعادي للإمبريالية لهذه الاحتجاجات ( حتى الديكتاتور الليبي , القذافي , كان قد أصبح شريكا مقربا للولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي في مرحلة "الحرب على الإرهاب" ) . و جميعها بلدان قد تآكلت بفعل تناقضات داخلية مؤثرة , حيث تواجد الجوع إلى جانب نمو الاقتصاد الكبير ( الماكرو ) و تزايد ثراء الأسر الحاكمة . لكن هناك شيئا آخر – إنها في نفس الوقت تتحدى و تهز الأسس السياسية للنظام . أولئك الذين ينادون "بالديمقراطية" قد استفزهم الجدال السياسي الشديد على المستوى الدولي عن المضمون السياسي لهذا التعبير المطاط ( الفضفاض ) كما في تعبير "الديمقراطية" . قبل كل شيء لأن "الديمقراطية" التي يتحدث عنها الليبراليون أصحاب البذلات و أربطة العنق في دهاليز السلطة ليست نفس الديمقراطية التي في أذهان الناس المتظاهرين في الشوارع .

مفهومان متناقضان عن الديمقراطية

إن صورة اضطلاع العامة ( الجمهور ) بدور قيادي في السياسة هي أسوأ كابوس للطبقة الحاكمة التي تعني "الديمقراطية" بالنسبة لها الحفاظ على البنية القانونية و الاقتصادية التي تدعم امتيازاتها الحصرية . لذلك ليس من قبيل المصادفة أن الإعلام الرأسمالي كان يبث الدعوات إلى "الاستقرار" و "النظام" , إلى جانب الدعم الرسمي للحاجة إلى الديمقراطية في البلدان العربية ( "متناسيا" دعمه التقليدي للأتوقراطيات ( أو الأنظمة الاستبدادية ) المحلية ) . مثلا في El Mercurio ( 11 فبراير شباط ) كتب ديفيد غالاكر ملاحظة نمطية : "لا يمكنك أن تحكم أي بلد من الشارع , على الرغم من كل الأوهام التي تقول عكس ذلك و التي يحملها بعض مثقفي الديمقراطية المباشرة المتطرفة التشاركية" . آراء كهذه جرى التعبير عنها بالجملة في الإعلام الرسمي .

من المثير للاهتمام هنا ذكر ممارسة الحكم من الشارع , حيث أنها تظهر الحدود الضيقة للديمقراطية البرجوازية الشكلية . دعونا نوضح بعض المفاهيم ( الأفكار ) التي استخدمها غالاكر : عندما تحدث عن الشارع , فإن ما فعله هو مساواته بالشعب . عندما قال أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون شكلا تشاركيا "متطرفا" , فإنه قصد أن الطبقة العاملة ( "المتطرفة" في معارضة الطبقة التي يمثلها ) يجب أن تستبعد من اللعبة الديمقراطية . لنفس هذا السبب علينا أن نستبعد الفقراء و العمال وفقا لفكرته عن الديمقراطية من أي مشاركة مباشرة في إدارة شؤونهم , إنهم يحاولون لذلك أن يتخذوا مظهر "الجدية" و "الاحترام" لكي يخفوا المصالح الطبقية لهذه الرؤية .

في مقال له عن الانتفاضات العربية , يضع الكاتب الأوروغواياني راؤول زيبيتش اليد على الجرح :

"يظهر النظام بشكل جيد أنه يمكنه أن يعيش فقط من خلال سلطة دولة ما , حتى أكثرها "راديكالية" أو "عداءا للمؤسسة أو للنظام" , لكنه لا يتحمل وجود الناس في الشوارع . يمكننا أن نقول أن الناس في الشوارع هم المفتاح في أعمال تراكم رأس المال , لذلك كانت من بين أولى "الإجراءات" التي اتخذها الجيش ( المصري ) بعد أن انسحب مبارك إلى سكنه التقاعدي هو مطالبة الناس بترك الشوارع و العودة إلى العمل" . ( 2 )

الشارع هو المكان الأفضل حيث يجري التعبير عن السلطة من الأسفل . إنه مكان رمزي حيث يخوض فيه الناس معركتهم حتى الموت مع من هم في الأعلى . هناك حيث يختبرون الأساليب البديلة لمعالجة "الشؤون العامة" . في كل مرة اندفع فيها الناس إلى منصة التاريخ من خلال احتجاجاتهم فإنهم دائما – من خلال ممارسة الديمقراطية المباشرة – أوجدوا مؤسساتهم الخاصة بهم خارج المؤسسات الرسمية , الدولة , و في معارضتها . هذه هي الحال منذ الثورة الفرنسية , عندما شكلت البروليتاريا في عام 1792 أول كومونة لها في باريس و أقام الشعب ( أو الناس People ) أجهزة للديمقراطية المباشرة الوليدة , فقط ليشاهدوا كيف جرى الاستيلاء عليها فيما بعد , و سحب الاعتراف منها و أخيرا سحقها على أيدي البرجوازية اليعقوبية في نضالها ضد النظام القديم .

للديمقراطية حدود دائما و البرجوازية تعرف هذا – المشكلة في من سيضع هذه الحدود . في اليونان الكلاسيكية , حيث ولد المفهوم ( مفهوم الديمقراطية ) كانت الحقوق الديمقراطية امتيازا فقط "للمواطنين" , أقلية من السكان الذين عاشوا من عمل الأكثرية المستعبدة . في الديمقراطيات الغربية , و لفترة طويلة , حرمت المستعمرات ( المستوطنات ) التي أطعمت المدن من الديمقراطية أو حرم منها العمال المحليون الذين كانوا دون ملكية أو تعليم . في إسرائيل "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" كما تقول الفكرة السائدة يستبعد الفلسطينيون تماما من نعم الديمقراطية . في الولايات المتحدة نفسها , الدولة الأكثر "ديمقراطية" في العالم ( كما تقول ) و على الرغم من انتخاب رئيس أسود البشرة مؤخرا , فإن واحدا من كل أربعة رجال أمريكيين من أصل أفريقي يقاسي في السجون الأمريكية المنتشرة , و الكثير منهم ينتظر الإعدام . الآخرون يعيشون في معظم الحالات في غيتوهات , بينما يعمل نظام الحزبين كالسحر لصالح النخبة العسكرية الصناعية . دعونا نأخذ أي ديمقراطية غربية على سبيل المثال , ما تسمى بالديمقراطيات "التمثيلية" , قم باستطلاع بسيط عن الطبقة الاجتماعية و جنس غالبية البرلمانيين , النتيجة ستكون ساحقة , أنهم ذكور من الطبقة الرأسمالية . يشكل الرأسماليون أقلية صغيرة جدا من المجتمع , لكن معظم البرلمانيين منهم . ستلاحظ أيضا أن المجموعات الأثنية أو القومية المضطهدة غير ممثلة أيضا . تجري حماية الماكينة الانتخابية و المؤسساتية بألف خدعة لمنع تمثيل حقيقي للشعب ( أو الناس People ) .

على العكس من ذلك فإن مفهوم الديمقراطية التشاركية أو المباشرة هو القطب المناقض لمفهوم الديمقراطية التمثيلية كما تدافع عنها الطبقة الرأسمالية و متملقيها . يجري تحديد حدودها من قبل الجماهير ( الناس , الشعب People ) الثائرة ( و المنظمة ) , التي تكتسب خلال الصراع وعيا جديدا بقدراتها و بوجودها . الديمقراطية المباشرة في الثورة الفرنسية بين عامي 1792 و 1793 فرضت حدودا على المضاربين , و قوت لبعض الوقت الصراع ضدهم . كل الخبرات السابقة لسلطة الشعب و للديمقراطية المباشرة التي حدثت على مدار التاريخ استبعدت فكرة الاستغلال الاقتصادي . المشاركة المباشرة لكل عضو في المجتمع , الممارسة الجماعية للسلطة , أغرقت الأقلية الرأسمالية في بحر مصالح الناس ( الشعب ) التي جرى التعبير عنها بكل حرية و بشكل مباشر . ليس من قبيل المصادفة لذلك أن تتجاهل الديمقراطية المباشرة التمييز بين السياسي و الاقتصادي ( هذا هو أسوأ رعب للرأسماليين ) و تتجه نحو جمعنة الملكية . الشارع هو مكان رمزي هام . لكنه غير كافي بحد ذاته . تدريجيا ينتهي الناس دوما بإدراك أن "الديمقراطية" , ديمقراطيتهم المباشرة التي ظهرت في إطار النضال , تشتمل أيضا على جمعنة الأعمال , المناجم , الأرض , المعامل و المكاتب .

عندما يتولى الناس مسؤولية شؤونهم , فإننا نرى بوضوح أنه لا يمكن أن توجد مساواة سياسية دون مساواة اقتصادية .

الديمقراطية المباشرة في اللجان الشعبية

في مصر , كما في كل مكان من العالم العربي , ظهرت اللجان الشعبية التي أظهرت القدرة السياسية للطبقات العاملة . إن غالاكر مخطئ عندما يقول أنه لا يمكن حكم بلد ما من الشارع . في الواقع كان "الشارع" في مصر و تونس و لعدة أسابيع المكان الوحيد للحكم .

هناك الكثير من شهود العيان على كيف مورست الديمقراطية المباشرة من خلال اللجان الشعبية في مصر و تونس و ليبيا , نعرف عنها بفضل المراسلات الجيدة لبعض المراسلين العالميين . دعوني أقتبس إحداها من "كومونة ميدان التحرير في القاهرة" التي أعتبر أنها نموذجا جيدا عن شهادات العيان هذه :

"انطلق المصريون من كل الفئات الاجتماعية بشكل طوعي لتنظيف الشوارع , و توجيه المرور في وقت الظهيرة , منسقين تنظيم الدوريات في الأحياء مع وقوع الحوادث الأولى للنهب و منظمين حتى لجان الدفاع الذاتي في أثناء مواجهات الثاني من فبراير شباط مع البلطجية , منظمين نقاط للتفتيش و مواقع للمراقبة , و مستشفيات مؤقتة لمعالجة الجرحى ( .. ) لم يتردد الناس في أن يتشاركوا أو يعطوا القليل الذي يملكونه من طعام أو شراب .

متغلبين على إرث طويل من العداء و الشك المتبادل على أساس الفوارق الطائفية , كانت هناك مصر واحدة لكل شخص في ميدان التحرير : للرجال و النساء , الصغار و الكبار , المسلمين و المسيحيين . حوار حي و مفعم بالقوة – حر و زاخر بالمعاني , ملأ فجأة كل الزوايا الأربعة لميدان التحرير , ناقلا عن طريق مكبرات الصوت كل طيف الآراء و الأفكار السياسية الحاضرة . أي تبني عام لأية مقترحات جرى بشكل ديمقراطي من خلال تصويت الأغلبية المباشر ( .. )

في لحظة ما صوت سكان ميدان التحرير فيما إذا كان يجب أن ينتخبوا ممثلين عنهم ليتخذوا القرارات المصيرية نيابة عن حركة الاحتجاجات , لقد صوتوا بشكل ساحق و حازم بلا على هذا الاقتراح" ( 3 ) .

هذه الشهادة تتطابق مع غيرها من الشهادات التي نشرت عن هذه اللجان , التي تذكر بانتشار المؤسسات الديمقراطية المباشرة في الأرجنتين بعد أزمة ديسمبر كانون الأول 2001 و الانتفاضة الشعبية التي صاحبتها . حتى صحيفة "الإيكونوميست" المحافظة قالت ( 5 – 11 مارس آذار 2011 ) دون أن تذكر صراحة اللجان الشعبية في ليبيا , بل مشيرة فقط إلى حالة التنظيم في "المناطق المحررة" أن :

"في المناطق التي تحت أيدي الثوار , لم يكن الخوف من الانزلاق إلى الفوضى حقيقيا . فرغم نقص أفراد الشرطة , لم تزداد الجرائم . لم تبلغ الطالبات اللواتي حضرن الاحتفالات عن وقوع أي تحرش . لأسبوعين تقريبا , كان أصحاب المطاعم يقدمون الشاي و السندويشات مجانا . ليظهروا إحساسهم الجديد بالتآخي عرض أصحاب الأعمال أن يقوموا بكنس الشوارع" ( 4 ) .

من المؤكد أن الديمقراطية المباشرة التي انتصرت في الشارع ليست علاجا شافيا لكل الأمراض , لوحدها , أو لحل جميع المشاكل التي تواجه الشعوب العربية بطريقة سحرية . لا البطالة و لا انعدام المساواة المتزايدة , و لا أسعار الطعام المرتفعة أصلا و التي ارتفعت أكثر . تظهر المواجهات بين المسيحيين و المسلمين في مصر هذا الأسبوع أن التفرقة الطائفية لم يتم التغلب عليها نهائيا . لكن الديمقراطية المباشرة تخلق فضاءات ( مجالات ) عامة يمكن أن تصبح فيها المطالب الشعبية إعصارا مدمرا , و قيادة جماعية تسعى إلى دفع المساواة و الجمعنة .

الثورة في العالم العربي – ليس فقط وضع نهاية للديكتاتوريات

بينما تستحضر الولايات المتحدة و دماها في المنطقة شبح القاعدة لكي تخلق عدم الثقة بين الناس في الغرب تجاه إخوتهم و أخواتهم العرب , فإن الانتفاضة في البلدان العربية استطاعت أن تبلغ مستويات غير متوقعة من القدرة على البقاء , ذاهبة أبعد بكثير من المطالب المحدودة لتغيير حكومة ما . كتب الصحفي مايكل جانسن في "Irish Times" ( 4 مارس آذار 2011 ) مقدما نظرة سريعة على التغييرات الهائلة داخل المجتمع المصري التي جرت في ظل الحكومة الانتقالية و كيف أن رياح التغيير لم تترك أي شخص في حالة المتفرج

"شكل طلاب المدارس الثانوية حركة تدعو لإعادة النظر في النظام التعليمي المصري . تطالب المنظمات النسوية بحقوق متساوية و تمثيل كامل في الحكومة و المجتمع المدني . يطالب الصحفيون بإنهاء التقييدات على الإعلام و إبعاد المحررين و أعضاء المجالس الذين دعموا الخط الحكومي في ظل نظام مبارك" .

"دعا الشيوخ , المبشرون , و طلاب أقدم مؤسسة مصرية أي جامعة الأزهر إلى تحريرها من ألف عام من سيطرة الحكومة . أصحاب العمائم الثوريون يصرون على أن يجري انتخاب شيخ الأزهر , الذي هو مدير جامعتها و أكبر رجل دين سني في العالم , و بقية المراكز المهمة و لفترات محددة عوضا عن أن يعينوا مدى الحياة ...

الأساتذة , العاملون في الخدمة المدنية , أساتذة الجامعات , المحامون , القضاة و العمال في المصانع العامة و تلك التي تمت خصخصتها يعبرون عن غضبهم نحو المسؤولين , و المدراء غير الأكفاء و ضد الفساد المنتشر . عشرات الآلاف من العمال في صناعة النسيج , شركات الاتصالات , معامل الحديد و الفولاذ , و المشافي , و الجامعات و الصناعات العسكرية , و قناة السويس , شرعوا بالإضراب , في البداية دعما للحركة الديمقراطية و بعد ذلك للمطالبة بأجور أعلى و ظروف عمل أفضل . و يدعو العمال إلى حل اتحاد النقابات المصري الحكومي . و في يوم الأربعاء أسست عدة نقابات اتحادا ( نقابيا ) مستقلا" ( 5 ) .
مثل صندوق بندورا فتحت الثورة العربية الباب أمام كل تلك المطالب و الشكاوى التي قمعت لعقود , إن لم يكن لقرون . لقد خلقت الجماهير حركة تاريخية فريدة , رافعة تاريخية لتشكيل المستقبل . و قد أثبت الشعب أنه لاعب قوي , رغم شبابه و انعدام خبرته النسبي . أولئك الذين يصوغون الديمقراطية العربية المباشرة اليوم يحضرون لتحقيق قفزة نوعية في ثورتهم , لكي يحولوها إلى ثورة اجتماعية رائعة على المدى المتوسط .

لهذا فإن كلا من الطبقات الحاكمة المحلية و عملاء النظام السابق , إلى جانب أسيادهم الإمبرياليين يضعون احتواء الديمقراطية المباشرة كأول مهمة أمامهم من خلال عملية "الانتقال" أو "المأسسة" و "الإصلاحات الديمقراطية" التي ستغير المضمون التشاركي لهذه الانتفاضات , دافعة إياها نحو "ديمقراطية تمثيلية" آمنة و عديمة الخطر . هذا هو سبب وجود كل تلك الحكومات الانتقالية المدني منها أو العسكري – أن تكون وجها مقبولا للثورة المضادة .

التحدي القادم , نشر و تجذير الثورة

تعرف الولايات المتحدة أن ما يدور الصراع عليه اليوم هو حديقتها الخلفية . رئيس هيئة الأركان المشتركة مايك موان , اعترف أنه قد جرت تغييرات سريعة في المنطقة و أنهم لا يحاولون فقط ملاحقة الأحداث بل و أن يؤثروا في مجرى الأمور ليدفعوها في الاتجاه الذي يريدونه وفقا لمصالحهم الخاصة ( 6 ) . و هم سيتلقون المساعدة في هذا الخصوص من الحكومات "الانتقالية" و الديكتاتوريات التي ما زالت ممسكة بزمام السلطة , عارضين إصلاحات شكلية فقط . لكن ما تزال أمامهم مهمة عسيرة و شاقة , لأن الجماهير العربية لا تبدي أدنى إعجاب أو حماسة "لطريقة الحياة الأمريكية" . أكثر من ذلك فإن الاستياء من الأمريكان , كداعمين أساسيين لأنظمة الاستبداد المحلية , ضروري لفهم الاحتجاجات العربية . إن عقودا من المشاركة مع إسرائيل و من التعاون مع السياسات الطائشة للإمبريالية الأمريكية في المنطقة ساعدت بلا شك في تآكل شرعية هذه الأنظمة ( 7 ) . هذا ما عنيناه بالمحتوى المعادي للإمبريالية الذي لا يمكن إنكاره لكل هذه الاحتجاجات , و هو شيء لاحظه حتى الديكتاتور اليمني علي عبد الله صالح نفسه مؤخرا في بادرة من الديماغوجية و النفاق المريع , في مؤتمر في العاصمة صنعاء عندما قال أن كل هذه الأحداث هي من عمل تل أبيب لخلق عدم الاستقرار في العالم العربي , و أن كل شيء "يجري التحكم به من قبل البيت الأبيض" ( 8 ) . لقد قال هذا لأنه يعلم الاستياء العميق في المنطقة من حليفه الأمريكي و كان يحاول أن يستغله بشكل سخيف – بينما يضع في نفس الوقت 300 مليون دولار في جيبه يستلمها من البيت الأبيض نظير مشاركته في "الحرب على الإرهاب" . لم يتأثر أي إنسان في العالم العربي بهذه الديماغوجية الخرقاء , حتى لو بدت الأمور خارج العالم العربي مختلفة بعض الشيء , و كان لها بعض الأثر على بعض أقسام اليسار , خاصة إذا أخذنا بالاعتبار الأحداث في ليبيا ( 9 ) .

لم تنته الثورات بعد في البلدان العربية , و لا حتى في تونس أو مصر . حتى ربما أنها هي أقل في هذين البلدين . الثورة , هذا الاستيقاظ العظيم للشعوب العربية , قد بدأت للتو , كما يظهر في الاحتجاجات التي أجبرت في الأسابيع الأخيرة فقط اثنين من رؤوساء الحكومات المعينين حديثا – التونسي محمد الغنوشي ( مع 5 من أعضاء حكومته ) , و أحمد شفيق في مصر , على الاستقالة . تستمر الاحتجاجات الشعبية لتسعى إلى استبعاد كل عناصر النظام القديم و إلى تفكيك جهازه الأمني و تطبيق قائمة طويلة جدا من المطالب الشعبية .

كما تذكرنا تجربة الأرجنتين , فإن مراحل الأزمة المفتوحة هذه مائعة نسبيا , و التغييرات السياسية شائعة في هذه الأوقات , و إذا لم يتمكن بديل الشعب من الانتصار فإن بديل الطرف الأقوى سرعان ما ينتصر و يستعيد الأرض التي فقدها . ما لا يمكن استمراره هو أزمة سياسية طويلة الأمد . و هنا يجب أن نذكر كلمات رفيقنا السوري مازن كم الماز الذي قال أن "اللجان الشعبية يجب أن تصبح أساسا لحياة جديدة , و ليس فقط إجراءا مؤقتا" ( 10 ) .

هذه اللجان هي الأساس لديمقراطية جديدة للشعب , ديمقراطية مباشرة و تشاركية , تقوم على التجمعات ( الاتحادات الشعبية ) التي تبنيها النساء و الرجال يوما بعد يوم في خضم الثورات العربية .
لكن التحديات ليست سهلة بأي حال من الأحوال . كيف يمكن أن نحول هذه الخبرات أو التجارب مع الوقت بحيث تصبح شيئا أكثر من مرحلة عابرة في النضال , نواة لمجتمع جديد ؟ كيف يمكننا أن نضمن أن هذه الاقتراحات غير المنسقة و المحلية ( الفئوية ) يمكن أن تنضج في مشروع اجتماعي بديل ؟ لدى الشعوب العربية القدرة على أن تعمق و تجذر الحركة ( تجعلها أكثر جذرية أو راديكالية ) , إضافة إلى أن تتقدم وراء الأزمة الحالية . إنهم واعون لأن الإصلاحات الشكلية لهذه "الحكومات الانتقالية" التي يعرفونها , هي في النهاية مجرد طريقة لاحتواء الجماهير . فقط الوقت سيظهر كيف يمكن حل الأزمات , لكن ما هو واضح أنه كيفما سار الوضع , فلن تكون الأمور هي نفسها بالنسبة للشعوب العربية أو لبقية العالم .

خوسيه أنطونيو غوتيريز مازن كم الماز
23/3/2012


الهوامش

1 – http://www.anarkismo.net/article/18678
2 - //alainet.org/active/44376
3 – http://www.socialistproject.ca/bullet/467.php#continue
4 – http://www.economist.com/node/18290470?story_id=18290470
5 – http://www.irishtimes.com/newspaper/world/2011/0303/1224291282961.html
6 - //engilsh.peopledaily.com.cn/90001/90780/91343/7308634.html
7 – تهريج ( أو السلوك المتهور ) الديكتاتور الليبي الذي كان حتى وقت قريب أفضل أصدقاء الغرب و نموذجا يحتذى عن العلاقات به بحسب وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة غونداليزا رايس قد حوله إلى أشبه بمهرج موالي للأمريكان بعيون شعبه . أكثر من ذلك ففي البلاد التي كانت الولايات المتحدة مهتمة بنقل الاحتجاجات إليها مثل سوريا و ليبيا و إيران , كانت الاحتجاجات ضعيفة جدا أو غير موجودة . هذا يثبت أننا نتحدث عن ديناميات مختلفة ( اتضح أن هذا الحكم كان متسرعا , كما أثبتت التطورات اللاحقة التي أدت إلى اندلاع الثورة السورية في يوم نشر المقال نفسه رغم أنه لا يغير من حقيقة أن الغرب عموما و الولايات المتحدة خصوصا عملت في سوريا كما في كل مكان آخر على منع تحقيق انتصار كامل حقيقي للجماهير الثائرة , تاركة إياها بالفعل تحت رحمة القمع الوحشي لنظام الأسد و باحثة عن نخبة حاكمة جديدة موثوقة يمكن نقل السلطة إليها عندما تقترب بشائر انتصار الثورة – المترجم ) .
Note by the translator : the later events in Syria showed that the writer s view isn t correct . US and other imperialist powers supported verbally the Syrian revolution , but in fact , they left the Syrian masses vulnerable to the brutal oprression of the regime . And as everywhere , they called in Syria also for calm and disciplinary transition , trying to create a new trustworthy ruling elite that can replace Al Asaad regime , rather than a real and full victory of the revolting masses .
8 – The economist , 5 – 11 مارس آذار 2011 , الصفحة 45
9 – أشير إلى مقالة ممتازة لرولاند أستاريتا , الذي يلخص بعض النقاشات في اليسار الأمريكي اللاتيني ( الجنوبي ) بهذا الصدد . حتى لو لم تتفق مع كل ما ورد فيه , فإنه مقال حاد و عميق , و إني أعتقد أنه , على الأقل في روحه , صحيح على الأغلب . //rolandastarita.wordpress.com/2011/03/07/la-inquierda-y-libia و الردود على منتقديه //rolandastarita.wordpress.com/2011/03/10/criticos-nacionales-y-libia
10 – http://www.anarkismo.net/article/18923

نقلا عن http://www.anarkismo.net/article/19017

كلمة المترجم – نشرت هذه المقالة في موقع anarkismo.net الأناركي الأممي في 15 مارس آذار من العام الماضي لكن التحليل الأساسي فيه ما زال يحتفظ بقيمته و أهميته , إضافة إلى أن خبرة العام التالي لكتابته يمكن أن تشرح الكثير من المواقف و التنبؤات التي احتوى عليها , الملاحظة الأهم تتعلق بالموقف من الثورة السورية و الذي كان نتيجة لتأثير اليسار الستاليني و التقليدي على الرفاق في الحركة الأناركية العالمية و الذي سرعان ما تغير بعد اتصالات جرت بينهم و بين أناركيين عرب و سوريين . الاستنتاج الأهم للمقال سيحتفظ بحيويته طالما لم تحسم الثورات العربية شكل الحكم التالي , خاصة شكل الديمقراطية التي يجري البحث و النضال لتشكيلها , فإن البديل الذي يدعو إليه التحرريون العرب واضح : ديمقراطية شعبية مباشرة و تشاركية , مازن كم الماز

خوسيه أنطونيو غوتيريز مازن كم الماز
23/3/2012

This page can be viewed in
English Italiano Deutsch
© 2005-2024 Anarkismo.net. Unless otherwise stated by the author, all content is free for non-commercial reuse, reprint, and rebroadcast, on the net and elsewhere. Opinions are those of the contributors and are not necessarily endorsed by Anarkismo.net. [ Disclaimer | Privacy ]